إيران بين خطاب “المقاومة” وممارسة الهيمنة وتصدير الفوضى
التاج الإخباري -
في سياق التحديات المتصاعدة التي تمر بها المنطقة العربية، تظل إيران محور جدل حاد بشأن أدوارها الإقليمية وطبيعة تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، من منظور أردني، لا يمكن فصل الموقف من إيران عن ثوابت السياسة الخارجية الأردنية، التي تضع صون السيادة الوطنية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي في مقدمة أولوياتها.القلق الأردني ليس نظريًا ولا دعائيًا؛ بل يستند إلى معطيات ميدانية ملموسة، عززت لدى عمان القناعة بأن السياسة الإيرانية لا تندرج ضمن مفهوم “المقاومة”، بل تعكس استراتيجية توسعية تستخدم أدوات غير نظامية لاختراق الدول وتمزيق نسيجها الاجتماعي.
لطالما سوّقت إيران لنفسها كقوة داعمة للقضية الفلسطينية وخصم شرس لـ”إسرائيل”، إلا أن هذا الخطاب سرعان ما يتهاوى أمام واقع سياساتها العملية، إذ أن دعم طهران لجماعات مسلحة في لبنان والعراق وسوريا واليمن لا يعكس دعمًا لتحرير فلسطين، بقدر ما يعبر عن سعي ممنهج لترسيخ نفوذها الإقليمي، على حساب وحدة واستقرار المجتمعات العربية. فـ”المقاومة” التي تُعلنها إيران، باتت تُستخدم لتبرير التدخل العسكري والسياسي والطائفي، ولزرع الكيانات الموازية داخل الدول.
في العراق، ساهمت طهران في تعميق الانقسام الطائفي وتعطيل الدولة. وفي سوريا، شاركت فعليًا في حرب أهلية دمرت النسيج الاجتماعي وشرعت الأبواب أمام التدخلات الأجنبية، أما في اليمن، فقد مثّل دعم الحوثيين تهديدًا مباشرًا لدول الخليج العربي، وخصوصًا المملكة العربية السعودية، ما أدى إلى إشعال حرب مستمرة دفعت ثمنها الشعوب.
بالنسبة للأردن، هذه السياسات تمثل تهديدًا مزدوجًا: أمنيًا عبر محاولات زعزعة الاستقرار الحدودي، وسياسيًا عبر الترويج لخطاب ديني ومذهبي من شأنه المساس بوحدة المجتمع الأردني.
ولهذا تتسم المقاربة الأردنية تجاه إيران بالوضوح والواقعية: رفض مطلق لأي تدخل خارجي، أكان مغطى بالشعارات الدينية أو بمفاهيم “المقاومة”، والدفاع الصارم عن السيادة الوطنية.
وفي الوقت الذي يرفع فيه البعض شعارات التضامن مع إيران في صراعها مع الغرب أو إسرائيل، يرى الأردن أن التضامن الحقيقي يجب أن يكون مع الشعوب التي تسعى للعيش في استقرار وسيادة، بعيدًا عن الوصايات الإقليمية والمشاريع العابرة للحدود.
القضية الفلسطينية لا تُحرر من خلال استثمارها لأغراض جيوسياسية، بل من خلال سلام دائم وحقيقي عبر أدوار عربية فاعلة
إن الحاجة اليوم ليست إلى المزيد من الشعارات، بل إلى تحليلات واقعية تفضح التناقض بين الخطاب الإيراني والممارسة الفعلية، وتُبرز كيف تحولت طهران إلى عامل زعزعة لا استقرار، بدل أن تكون شريكًا في الأمن الإقليمي.
ومن هذا المنطلق، سيبقى الأردن، بحكمته السياسية وموقعه الجغرافي والتزامه العربي، سدًا منيعًا في وجه كل ما يهدد استقرار المنطقة ووحدة شعوبها.